إدارة الشئون الفنية
وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا

وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا

13 يناير 2023

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 20 من جمادى الآخرة 1444هـ - الموافق 13 / 1 / 2023م

]وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا[

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَفَرَّدَ بِالْكِبْرِيَاءِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْعِزَّةِ وَالْمَلَكُوتِ، تَعَالَى عَنْ وَزِيرٍ، وَتَنَزَّهَ عَنْ نَظِيرٍ، قَبِلَ مِنْ خَلْقِهِ الْيَسِيرَ، وَأَعْطَى مِنْ رِزْقِهِ الْكَثِيرَ، أَنْشَأَ السَّحَابَ الْغَزِيرَ، يَحْمِلُ الْمَاءَ النَّمِيرَ؛ لِيَعُمَّ عِبَادَهُ بِالْخَيْرِ وَيَمِيرَ، فَالْجَمَادُ يَنْطِقُ بِلِسَانِ حَالِهِ، وَالنَّبَاتُ يَتَكَلَّمُ بِحَرَكَاتِهِ وَأَشْكَالِهِ، وَالْكُلُّ إِلَى التَّوْحِيدِ يُشِيرُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِنُزُولِ الْغَيْثِ الْمِدْرَارِ وَالْمَاءِ الْمُتَدَفِّقِ السَّيَّالِ، فَابْتَسَمَ وَجْهُ الْأَرْضِ مِنْ قَطَرَاتِ الْأَمْطَارِ، فَسُبْحَانَ مَنْ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْحَاضِرَ وَالْبَادِيَ، وَمَا زَالَتْ أَلْطَافُهُ تَعُمُّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ؛
قَالَ تَعَالَى
: ]وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( [الشورى:28] فَفِي إِنْزَالِ الْمَطَرِ عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَـبِرِينَ، وَآيَةٌ لِلْمُتَّعِظِينَ، وَدَلَائِلُ تَدُلُّ الْحَيَارَى إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَيْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ([فصلت:39]. فَتَرَى الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ الَّتِي قَلَّ مَاؤُهَا وَقَحِطَتْ أَرْجَاؤُهَا وَأَجْدَبَ ظَاهِرُهَا؛ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهَا الْمَاءُ اهْتَزَّتْ وَابْتَهَجَتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ، وَاكْتَسَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، وَصَارَ لَهَا بِذَلِكَ مَنْظَرٌ بَهِيجٌ.

تَأَمَّلْ فِي نَـبَاتِ الْأَرْضِ وَانْظُــــرْ        إِلَـــى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيــكُ

عُيُــونٌ مِنْ لُجَيْـــنٍ شَاخِصَــاتٌ        بِأَبْصَارٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ

عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ        بِـــأَنَّ اللهَ لَــــيْسَ لَـــهُ شَرِيكُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ الْغَيْثَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ لِلْعِبَادِ، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ، وَالْعَبْدُ الْمُوَفَّقُ مَنْ يَتَعَبَّدُ لِلَّهِ بِكُلِّ مَا يَرَى مِنَ الْمَظَاهِرِ وَالْآيَاتِ، وَالدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ، فَإِذَا رَأَى الْمَطَرَ أَخَذَ يَقْتَفِي أَثَرَ الْمُصْطَفَى r فِيمَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ r كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا»
[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ « اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا»، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ r إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي»، وَيَقُولُ، إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: «رَحْمَةٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَإِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ وَخِيفَ مِنْهُ يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ r: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ t]. وَالْآكَامُ: التِّلَالُ، وَ(الظِّرَابُ) الْجِبَالُ الصَّغِيرَةُ.

وَمِمَّا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَ الْمَطَرِ أَنْ يَكْشِفَ شَيْئًا مِنْ جِسْمِهِ لِيُصِيبَهُ الْمَطَرُ فَتَنَالَهُ الْبَرَكَةُ، قَالَ أَنَسٌ t: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ r مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ (أَيْ: كَشَفَ) رَسُولُ اللهِ r ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَمِمَّا يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ: أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ حَالَ نُزُولِ الْأَمْطَارِ؛ فَهِيَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ] وَفِي لِفْظٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ «وَتَحْتَ الْمَطَرِ».

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ الْبَرْقَ وَالرَّعْدَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ جَبَرُوتِهِ وَقُوَّتِهِ وَبَطْشِهِ وَانْتِقَامِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ( [الرعد:12-13]. يَسْمَعُ الْإِنْسَانُ هَذَا الصَّوْتَ الْمَهِيبَ، وَيَرَى ذَاكَ الضَّوْءَ اللَّامِعَ الرَّهِيبَ، فَيَرْجُو الْمُؤْمِنُ الْغَيْثَ وَالْعَطَاءَ، وَيَخْشَى الْعَذَابَ وَالشَّقَاءَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( [الروم:24]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللهِ r قَالُوا أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ؟ قَالَ «مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، بِيَدِهِ -أَوْ فِي يَدِهِ – مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ يَسُوقُهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا( [الصافات:2]. يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، تَزْجُرُ السَّحَابَ، أَيْ: تَسُوقُهُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ)، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ شَدِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّنَاءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ تَقْوَى اللهِ أَمْثَلُ طَرِيقٍ وَأَقْوَمُ سَبِيلٍ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ شُكْرَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ الْكَثِيرَةِ وَآلَائِهِ الْجَسِيمَةِ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ، فَيُثْنِي الْعَبْدُ عَلَى رَبِّهِ الْكَرِيمِ، بِمَا أَسْدَى مِنْ عَيْشٍ قَوِيمٍ، وَيَعْتَرِفُ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَيَنْسُبُهَا إِلَيْهِ؛ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ t، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. فَالشُّكْرُ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ عِبَادِ اللهِ الْمُخْلِصِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ r: ]بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ( [الزمر:66] وَقَرَنَهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ بِالْإِيمَانِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ]مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ( [النساء:147] وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ: أَنَّ أَهْلَ الشُّكْرِ هُمُ الْمَخْصُوصُونَ بِمِنَّتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ عِبَادِهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ]وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ( [الأنعام:53]. وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ: أَنَّ الشَّاكِرِينَ ثُلَّةٌ قَلِيلَةٌ وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ عِبَادِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ]اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( [سبأ:13].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ وَالْمَرَاكِبِ الَّتِي قَرَّبَتِ الْبَعِيدَ وَيَسَّرَتِ الْعَسِيرَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[ [النحل:7-8]. وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ لِحَالِ أُولَئِكَ الشَّبَابِ الَّذِينَ أَحَالُوا مَوْسِمَ الْخَيْرَاتِ وَالْأَمْطَارِ بِاسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْمَرَاكِبِ فِي تَهَوُّرٍ وَرُعُونَةٍ وَاسْتِهْتَارٍ، فَتَحَوَّلَتِ النِّعْمَةُ إِلَى نِقْمَةٍ وَالْمِنْحَةُ إِلَى مِحْنَةٍ؛ فَاحْذَرُوا -مَعْشَرَ الشَّبَابِ- هَذِهِ الظَّاهِرَةَ الْمُخِيفَةَ، وَالْعَادَةَ الْقَبِيحَةَ؛ فَكَمْ أَزْهَقَتْ مِنْ أَرْوَاحٍ! وَكَمْ جَلَبَتْ مِنْ عَاهَاتٍ وَجِرَاحٍ! فَكَيْفَ يَرْضَى الْعَاقِلُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ أَوْ يَشُلَّ جَسَدَهُ؟! بَلْ كَيْفَ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي أَذِيَّةِ النَّاسِ وَتَرْوِيعِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَمِنْ خِلَالِ طُرُقَاتِهِمْ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:  ]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[ [الأحزاب:58]؟!.

وَاعْلَمُوا -مَعْشَرَ الْإِخْوَةِ- أَنَّ كَفَّ الْأَذَى عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ طُرُقَاتِهِمْ مُوجِبٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْجَنَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ، فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الْأَبْدَانِ، وَالْأَمْنَ فِي الْأَوْطَانِ، وَالرَّحْمَةَ بِالْأَهْلِ وَالْإِخْوَانِ، وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيمِ وَالرِّضْوَانِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، اللَّهُمَّ وَوَفِّقْ نَائِبَهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الْأَمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني